كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فيكون النبي فرطا سابق لأمته وإذا أراد الله أن يهلك أمة أبقى نبيها حيا وأهلكها ونبيها ينظر ليكون أقر لعينه وأهلك لمن عصاه كما هو دأب الله في سنن الأنبياء الذين قبلنا فقوم صالح قوم نوح قوم لوط كلهم أهلكوا وأنبياءهم ينظرون إليهم قال الله جل وعلا عن صالح {وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} [النمل: 53] بعد أن أخبر أنه أهلك قومه وكذلك قال الله عن شعيب وكذلك الله قال عن عاد وغيرهم من الأمم وهذا أظنه ظاهر. {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين}.
وقد قلنا في درس سابق أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن أعظم الناس عذابا ثلاثة:
أتباع آل فرعون قال الله جل وعلا: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (46) سورة غافر، والذين كفروا بالمائدة بعد نزولها من قوم عيسى قال الله جل وعلا: {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} والثالث المنافقون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} (145) سورة النساء، ويظهر لي أن هؤلاء المنافقين هم أشد خلق الله جل وعلا عذابا. بهذا انتهت مسألة المائدة.
ثم قال الله جل وعلا بعدها: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} (116) سورة المائدة. إلى آخر السورة.
هذا الموقف موقف في الآخرة أما موقف المائدة كان أين؟ كان في الدنيا، أما هذا موقف في الآخرة وإن قال بعض العلماء أنه موقف دنيوي لكنه بعيد كونه جاء بصيغة الماضي لا ينفي أنه سيكون يوم القيامة. {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} نحن نعلم أن الله يعلم أن عيسى ابن مريم لم يقل هذا للناس والله ما أراد بهذا السؤال توبيخ عيسى وإنما أراد الله تقريع النصارى وتوبيخهم في يوم العرض الأكبر على ما اتهموا به نبيهم كذبا أنه دعاهم إلى عبادة نفسه وإلى عبادة أمه وقالوا بالأقانيم الثلاثة وزعموا أن المسيح ابن الله فأراد الله جل وعلا أن يبطل كيدهم ويظهر كذبهم على ملأ من الأشهاد بنطق عيسى نفسه فيقول الله جل وعلا يوم يحشر العباد، يوم الحشر يوم عظيم وقد مر بكم في حديث الشفاعة أن الأنبياء يقولون جميعا: «إن الله غضب غضبا لم يغضب قلبه ولا بعده مثله» فيتدافعون الشفاعة أولو العزم من الرسل حتى تصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالموقف موقف جليل وخطب عظيم ودعاء النبيين يومئذ «اللهم سلم سلم».
في هذا الموقف في هذا الشأن يسأل الله جل وعلا عيسى {أأنت} كم همزة؟ همزتان، الهمزة الأولى للاستفهام والهمزة الثانية من أصل الكلمة، {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} بدهيا كان المفروض عيسى يقول لا أو يقول لم أقله، لكن عيسى في هذه الآيات كما سيأتي ضرب أروع الأمثلة في الأدب مع الرب جل وعلا بدأ جوابه بقوله: {سبحانك}.
وقد قال بعض العلماء إن عيسى عليه السلام قدم الجواب بكلمة سبحانك لسببين:
قدم الجواب بكلمة (سبحانك) لسببين:
الأول منهما: تنزيه الله عما أضيف إليه.
والأمر الثاني: الخضوع لعزة الله والخوف من سطوته.
من أجل ذلك قال هذا النبي الكريم {سبحانك} ثم قال بدأ يدخل في الجواب قال: {قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} في أشياء يا أخي تملكها وفي أشياء أنت لا تملكها من أعظم مالآنملكه أننا عبيد، وبما أننا عبيد لا نملك أن نتكلم كما يتكلم الرب سبحانه وتعالى ولا نطالب بحق الألوهية لأننا لسنا آلهة فلا إله إلا الله وكل أحد سوى الله مربوب وعبد والله جل وعلا وحده هو الإله وهو الرب لا رب غيره ولا إله سواه. فهذا الحق أنه يعبد أحد من دون الله لا يستحقه إلا الله فلا يمكن أن يأتي أحد لا يملك هذا الحق فيطلبه لنفسه، فعيسى يقول أنا مربوب وعبد ولا أملك أن أطلب من الناس أن يعبدوني من دونك لأنه هذا ليس في حق فيه فمقام الألوهية غير مقام العبودية.
{ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} ثم لم يقل أنا لم أقله، قال تأدبا مع ربه: {إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب}، وهذا الجواب لا يكون إلا مع من؟ إلا مع الله، لا تستطيع أن تجيب أحدا من الناس بهذا الجواب، مستحيل هذا الجواب لا يمكن أن يكون إلا مع الله. مع الناس تقول لم أقله أو تقول قلته، ذهبت إلى مكان كذا أو لم تذهب؟ تقول لمن سألك ذهبت أو لم أذهب، لكن ما يعقل أن تقول له إن كنت ذهبت فأنت تعلم أني ذهبت! من أين يعلم أنك ذهبت؟ هذا جواب لا يقال إلا لمن؟ إلا لله.
{إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} وهذه واضحة لا تحتاج إلى بيان {إنك أنت علام الغيوب} فما من غيب إلا والله جل وعلا يعلمه كما قال لقمان لابنه: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير} (16) سورة لقمان.
{إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب}
ثم أخذ يبرئ ساحته أمام النصارى قال: {ما قلت لهم} هذه ما نافية {إلا} هذا استثناء {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} فأنا عبد أنفذ أوامرك وأؤدي ما أوكلته إلي ولا أستطيع أن أخرج عن أمرك مثقال ذرة {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} هذه {أن} حرف تفسير لا محل له من الإعراب فأصبحت جملة {أن اعبدوا الله ربي وربكم} مفسرة لقوله: {إلا ما أمرتني به} يعني ما الذي أمرتني به؟ {أن اعبدوا الله ربي وربكم}. وقد مر علينا هذا في سورة البقرة ومنه قول الله جل وعلا: {وقضينا إليه ذلك الأمر} أي أمر؟ {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} (66) سورة الحجر، فهذه {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} مفسرة لقول الله جل وعلا: {ذلك الأمر}. كذلك هذه قول الله تبارك وتعالى: {أن اعبدوا الله ربي وربكم} مفسرة لقول الله تبارك وتعالى: {إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}. فعيسى عليه السلام قبل أن يقرر أن الله رب لهم قرر أن الله رب له هو {أن اعبدوا الله ربي وربكم} وهذا هو التوحيد الذي بعث الله جل وعلا به الرسل من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذي لا يقبل الله من أحد صرفا ولا عدلا إلا بتحقيقه.
{أن اعبدوا الله ربي وربكم} {وكنت} يتكلم عن نفسه {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} قوله: {ما دمت فيهم} أنه عبد متى ما وضع أو رفع لا يعلم شيئا ولا يوجد عاقل يدعي أنه يفهم كل شيء أو يعلم كل شيء، النبي عليه الصلاة والسلام كما قلنا هذا مرارا كان يعيش في المدينة حوله فيه المدينة فيه مهاجرين فيه أنصار فيه يهود فيه منافقين فالله يقول لنبيه: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} (101) سورة التوبة.
قال العلماء إذا جاز على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: أن يكون له جيران يسكنون مدينته ولا يعلم أنهم يكيدون له وأنهم منافقون فمن باب أولى أن يخفى ذلك على من دونه وكل الناس دونه صلوات الله وسلامه عليه.
{وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} وأنا بينهم أعيش أقول لهم اعبدوا الله هذا يوافق وهذا لم يوافق أنا شهيدهم هذا وافق وهذا لم يوافق هذا قبل وهذا لم يقبل هذا رضي بك ربا وهذا لم يرض.
{ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}
هذه (توفيتني) فيها نوع من الإشكال:
لأن عيسى عليه السلام قطعا ليس بميت وإنما رفع إلى السماء قال الله جل وعلا {بل رفعه الله إليه} وهذا نص فدائما عندما تريد أن تفسر أو حتى في أي شيء في حياتك امسك أصلك إذا جاء شيء يعارض الأصل رد العارض وخليك على من؟ على الأصل إلا بعارض يفوق؟ يفوق الأصل، وأنت ماشي في حياتك في أمر دين أو أمر دنيا امسك الأصل لا تترك الأصل لأي عارض أو لأي شبهة وإنما تثبت في الأصل رد العارض وابق على الأصل حتى لو لم تفهم العارض مو لازم، لكن خليك متمسك بالأصل فالله جل وعلا تكلم عن عيسى في سورة النساء وقال إن اليهود زعمت أنها قتلته، وقال جل وعلا: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} ثم قال: {وما قتلوه يقينا*بل رفعه الله إليه} (157-158) سورة النساء، هذا الله يقول في كتابه أنه رفع عيسى فلما تأتي آية أنه توفى والله يقول رفع ما يجتمع وفاة مع رفع، نبقي على الأصل الذي هو الرفع ونقول إن الوفاة هنا بمعنى الرفع، يعني {توفيتني} يعني استوفيت بقائي معهم ثم رفعتني، حتى نبقي على ماذا؟ نبقي على الأصل، وهذا من أخذ بهذه القاعدة يسلم في أمر دينه وأمر دنياه لأنه ليس كل شبهة تستطيع أنت أن تردها لكن حتى لو وجدت شبهة لا تستطيع أن تردها ابق على الأصل حتى يمن الله عليك بعالم تسأله عن هذه الشبهة، فيردها أما كل أصل تمسكه كل شبهة تأتيك تأخذ بها الشبه لا تنتهي ستصل إلى مالآنهاية تتخبط بك الطرق كما هو حاصل بعض ممن ينتسب إلى العلم، كيف يتخبط ميمنة وميسرة لأنه لا يوجد أصل أصلا يقبض عليه ويمسك به، لكن يمسك الإنسان على الأصل ثم يمضي.
فالأصل مثلا في المؤمن من قال لا إله إلا الله أنه مؤمن فإخراجه من الملة يحتاج إلى أصل أعظم من هذا ولا يوجد حتى هو يفرح بالكفر إذا قال أنا كافر راضي أنا كافر هذا يهدم الأصل لكن إذا فعل أفعال يعتقد أنها كفر في خلاف أنها كفر لم يرض بها ليس لك ولا لغيرك أن يكفره بمثل هذه الشبهات، ستصل إلى مالآنهاية، وهذا الذي وقع فيه من وقع ظهر في أيام الصحابة لما كفر علي وكفر عثمان وكفر غيرهما من أضل ضل بهذا الطريق، فلا يمسك أصل كلما جاءته شبهة يطبقها على الناس إلى مالآنهاية الذين خاصموا عليا مروا على شجرة شجرة ليهودي فيها بلح جاءوا جوعا جاء بيخرجوا البلح قالوا هذه شجرة يهودي ما يجوز هذا ذمي مستأمن واليهودي عالم بس عناد ما يسلم، سكت عنهم وينظر فيهم بعد قليل جاء عبد الله بن خباب بن الأرت مسلم حاط المصحف في جيبه قالوا: «ماذا تقول في عثمان وعلي؟» قال: «صحابة أخطئوا في أشياء وأصابوا في أشياء وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مردهم إلى الله»، قالوا: «إن هذا الذي في صدرك يعني القرآن يأمرنا بقتلك! لأنك ما قلت الحق! وعلي حكم الرجال في دين الله والله يقول: {إن الحكم إلا لله} أصبح علي كافر وأنت ما ترى أن علي كافر يعني أنت ايش؟ أنت كافر لأن من لم ير كفر الكافر فهو كافر»، كأنه يبني طوب!! وأخرجوه من ناقته ومعه زوجته وابنه ثم جاءوا إلى نهر دجلة هذا الذي في العراق وذبحوه على النهر وسال دمه على النهر!!! واليهودي ينظر! قال: «والله ما رأيت أجهل منكم؟!» ألحين أنتم- بالعامية خلنا نقول- ممتنعين عن التمر تقولوا حرام وذمة وهي كلها حبتين بلح تقولوا حرام وما يجوز وتأتون لرجل من أتباع دينكم يقول لا إله إلا الله وتذبحونه كما يذبح الشاة تقولون هذا يجوز؟! هذا يهودي فهمها. فالعاقل في كل شؤون حياته يمسك أصل ويتمسك به وليس سهلا أن تهدم الأصل لأن هذا الباب لو دخلت فيه ما تنتهي.
أنا أتكلم في مسجدي هذا تأخرت يوم عن الصلاة صلى شخص بدلا مني فدخل رجل طيب يعني كان في واحد ساجد اللي ساجد هذا ساجد مو على أطراف الأصابع على الأمشاط معروف أن السنة على الأمشاط يعني عامي من العوام إلى الآن هذا العامي ما يدري عن القصة وهذا الرجل يعني ليس من الحي عارض، فقال أخذني بيدي وقال شوف شوف كيف يصلي! ما طبق السجود والسجود على الأعضاء السبعة وهذا ما سجد على الأعضاء السبعة! شوف هذه الفتوى المركبة: إذن السجود غير صحيح! والسجود ركن من أركان الصلاة إذن صلاته غير- والله في المسجد- أن صلاته غير صحيحة، إذن ما كأنه صلى، إذن الرسول يقول (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) صار كافر وقعد يقول سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى اللهم اغفر لي! كله من ترك ماذا؟ من ترك الأصل فعقلك لا تعطيه لغيرك احفظ لسانك عن أعراض المسلمين عالم حاكم أمير وزير صغير كبير، في النقاش العلمي ناقش على كيفك، قل ما تشاء العلم حق مشاع ما في أحد بيده العلم كله، لكن بالذات الإخراج من الملة والإدخال في الملة هذا ليس لأحد الله يقول: {ولكن من شرح بالكفر صدرا}.